Nov 22, 2014

توضيح من بروفيسور انتصار صغيرون حول بيع بيت المأمور التاريخي بالخندق

توضيح من بروفيسور انتصار صغيرون حول بيع بيت المأمور التاريخي بالخندق 

حضر المساح يوم الأربعاء ١٩ نوفمبر ٢٠١٤قبل المغرب بثلث ساعة ومعه رئيس اللجنة الشعبية.
سلمت ريئس اللجنة خطاب مدير هيئة الاثار المعنون لوزير الثقافة بالولاية الشمالية.
اتصل المساح بمدير أراضي القولد وتحدث معه رئيس اللجنة ونائبه كما تحدثت بعدهم معه.
كان حديثه طيبا مؤكدا حرصهم على عدم المساس بالتراث القومي. واخطرني بان المعتمد اخطره بانه سيتصل بالبعثه للتفاهم حول هذا الامر.
تداولنا الامر ذلك المساء كبعثة واضعين خيارات عديدة للتصرف في نهاية يوم عمل الخميس ٢٠ نوفمبر بناءا على ما يصلنا من المعتمدية.
لم يتكرم علينا اي مسئوول بالرد سلبا او إيجاباً.
تم إرسال الخبر بعدها الي زملائنا الآثاريين.
اول إفادة كانت مساء امس الجمعة بعد العاشرة من نائب رئيس اللجنة الشعبية وبموجبها أرسلنا خبرا عاجلا مصحوبا بصور الصيانة في البيت المعني.
واليوم اتصل رئيس اللجنة ليقول بانه قد علم منذ يوم الأربعاء بان موضوع البيع قد تم إلغاؤه .
أخبرته بان البعثة لم تخطر كتابيا او شفاهة .
هذا ما لزم توضيحه وأحب ان أؤكد ان البعثة لم توقف عملها في ميدان الفاشر ولا عمل الشركة القائمة على صيانة بيت المأمور .
وختاما اشكر الوقفة الصلبة للزملاء في مواقع التواصل ولكل الحادبين على تراث الوطن ولكل من اتصل تلفونيا وأهل الخندق

Nov 20, 2014

بيع بيت المأمور التاريخى بالخندق: تفريط فى التراث الوطنى السودانى

بيع بيت المأمور التاريخى بالخندق: تفريط  فى التراث الوطنى السودانى
بروفيسور أزهري مصطفى صادق
الرياض
الأربعاء 19 نوفمبر 2014




سنة الحياة، أن يداً تبنـي ويداً تهدم.... فقد صحوت هذا اليوم على أمرٍ ما كنت مصدقه لولا ما شاهدته من صورٍ وحديثٍ من ثقاةٍ.... وملخص كل ذلك في كلمات قليلة: أن معتمدية القولد قامت ببيع منزل أثري ذا قيمة تراثية فريدة ولا يقدر بثمن بمدينة الخندق (المحمية جُلّها بقانون الآثار السوداني لعام 1999) وقامت بإرسال مساح إلى الموقع لأخذ القياسات بعد انتهاء يوم العمل الرسمي. وتقول الأخبار أن المبلغ المدفوع في المبنى خمسه مليار جنيه سوداني!!! وأن الأمر قد يمتد لبيع مباني أخرى بالموقع التاريخي الفريد!!!
.... انتهى الخبر.
يعود تاريخ هذا المبنى (المعروف ببيت المأمور) إلى أكثر من مائة عام، وهو واحدٌ من جملة مباني تاريخية تم تسجيلها ودراستها والتمهيد لصيانتها بموقع الخندق الأثري المشهور الذي يعتبر من المواقع الفريدة في الولاية الشمالية كونه يحتوى على العديد من المظاهر الأثرية والعمائر والمقابر والقباب وأضرحة المشايخ وغيرها، واكتسب شهرةً باعتباره ميناءً نهرياً شهيراً وومركزاً لإقامة التجار. ومن أهم ما يميز موقع الخندق ويُكسِب كل مبنى فيه أهمية تاريخية خاصة، وجود حصن كبير يعرف بالقلقيلة بأبراجه التي تبدو للناظر من البعد عند مروره إلى دنقلا. وربما أُخذت كثير من حجارته لبناء بعض المنازل ومكتب البوليس وبيت المأمور، مما يزيد هذه المباني أهمية تاريخية خاصة. كما يتميز الموقع بانتشار العديد من  قطع الفخار المسيحي والإسلامي.  
حماية دولية ومحلية:
إن موقع الخندق وما عليه من آثار وشواهد ومبانٍ تاريخية، محميٌ بموجب القوانين والمعاهدات والاتفاقيات الدولية والمحلية لحماية الآثار والتراث الثقافي. لقد تم تجريم الاعتداءات على الممتلكات الثقافية بموجب العديد من القوانين المحلية والمعاهدات الدولية والتي نصت جميعها على حماية الممتلكات الثقافية، واحترامها، وتضمنت بنوداً وأحكاماً قانونية تُجرّم الاعتداء عليها، وتضع أحكاما للحماية العامة والحماية الخاصة والحماية المعززة لها. وحسب ما جاء في اتفاقية لاهاي فإن الممتلكات الثقافية تشمل الممتلكات المنقولة والثابتة ذات الأهمية الكبرى لتراث الشعوب الثقافي كالمباني والأماكن الأثرية والمخطوطات وكل الأشياء ذات القيمة التاريخية والأثرية وكذلك المباني المخصصة لحماية الممتلكات الثقافية نفسها كالمتاحف ذات العلاقة والتي تتطلب بموجب الاتفاقيات الوقاية والاحترام والحماية المتواصلة وعدم تعريضها للتدمير أو التلف وتحريم سرقتها ونهبها أو تبديدها (بالبيع أو خلافه). 
بذلك فإن مبنىً تاريخياً كبيت المأمور يدخل تحت إطار قوانين حماية الممتلكات الثقافية الدولية والمحلية، باعتبار أن المواقع الأثرية ممتلكات ثقافية وإرث حضاري يتطلب الحماية والمحافظة عليه بشتى الطرق، وعدم تدميره ويجب اتخاذ كافة التدابير الدولية والوطنية لحمايته باعتباره تراثا ثقافيا إنسانيا. فعلى الصعيد الدوليّ وقّع السودان وانضم إلى العديد من الاتفاقيّات الدوليّة التي تُعنى بحماية التراث الثقافيّ، ولعلّ أهمّها “اتفاقيّة لاهاي” لعام 1954 المتعلّقة بحماية التراث الثقافيّ، بما فيه من مواقع وأبنية ومنقولات ووثائق ومؤلّفات تثبت قيمة أثريّة أو تاريخيّة أو فنيّة أو دينيّة. وفي ذات الوقت فإن المبنى محمي بقانون حماية الآثار السوداني لعام 1999 باعتباره:
أولاً: هو من الآثار، والتي يقصد بها في القانون: أى شيء خلفته الحضارات أو تركته الأجيال السابقة مما يكشف عنه أو يعثر عليه، سواء كان ثابتاً أو منقولاً، مما يرجع تاريخه إلى مائة عام، ويجوز للهيئة أن تعتبر لأسباب فنية وتاريخية أى عقار أو منقول آثاراً إذا كانت للدولة مصلحة فى حفظه وصيانته بصرف النظر عن تاريخه وتعتبر من الآثار الوثائق والمخطوطات، وأيضاً  بقايا  السلالات  البشرية  والحيوانية  والنباتية.  
ثانياً: هو أرض أثرية، ويقصد بالأرض الأثرية في القانون: "الأرض التى يقع بها الموقع الأثرى أو المبنى التاريخى وتضع حدودها الهيئة".
ثالثاً: هو مبنى تاريخي: ويقصد به في القانون كل بناء أو جزء من بناء خلفته الحضارات والأجيال السابقة ويكون أثراً وفق أحكام هذا القانون.
رابعاً: هو موقع أثرى، والذي يشار اليه في القانون أيٍ من المواقع الأثرية التى تحددها الهيئة.
وجاء في الفصل الثاني من القانون أن ملكية الآثار فى باطن الأرض أو على سطحهـا ملكاً للدولة. وتختص الهيئة بالآثار ومسئولية تقدير أثرية الأشياء والمبانى التاريخية والمواقع الأثرية وتسجيلها، كما تختص بتنفيذ أحكام هذا القانون. كما نص القانون على معاقبة من يتلف الآثار او يهدمها ونص صراحة أن: كل من يتلف قصداً أثراً مسجلاً أو حديث الاكتشاف أو يهدم بسوء  قصد بناءً  أثرياً أو أكتشف حديثاً  أو جزء  منه  أو يأخذ شيئاً من أحجاره أو زخرفه أو يحدث فيه ما يغير معالمه، يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات أو بالغرامة أو بالعقوبتين معاً.
إن القائمين على أمر الآثار يدركون أهمية هذا الموقع ووجوب صيانته وحفظه ليس كتراث محلي فحسب، بل عالمي أيضاً. وقد كان أمر حماية الموقع الشغل الشاغل للدكتورة انتصار صغيرون الزين التي أعدت منذ سنوات مسودة مشروع لدراسة الموقع تحت مسمى (مشروع المسح الآثاري والثقافي لمناطق غرب النيل في اقليم دنقلا الشمالى من حدود محلية دنقلا الشمالية الى حدودها الجنوبية). والذي ابتدأ في مراحله الأولى بدعم ذاتي (دون أي دعمٍ من أي طرف حكومي) بإدارتها ومعاونة أستاذة قسم الآثار جامعة الخرطوم وبعض المؤسسات الاكاديمية الأخرى، وباعتباره مشروع علمي جاد يستعمل أسلوب الدراسات الميدانية المتداخلة بين العلوم المختلفة لخلق نموذج علمي تطبيقي متكامل للدراسات الثقافية، الاجتماعية، التاريخية الإقليمية وتحقيق مبدأ سودنة العلوم الثقافية والاجتماعية بالتركيز المباشر على العوامل الإنسانية والبيئية والتاريخية المحلية التي تداخلت لدفع التطور الثقافي والاجتماعي للمجتمعات السودانية. وقد حقق المشروع خلال السنوات اللاحقة نجاحات باهرة في الكشف عن تراث ثقافي لم يكن معروفاً بمدينة الخندق مما جعله ينال ثقة القائمين على المشروع القطري لدعم الآثار لينال حظه في أن يكون في قائمة المواقع التي سيتم دراستها بصورة تفصيلية وترميم وتأهيل وحماية العديد من المباني التي تشمل إضافة إلى (بيت المأمور)، الذي بيع بليلٍ، استراحة المفتش وبيت الوكيل وبيت ضابط السوق وغيرها من المباني التاريخية، بل وصدّقت معتمدية القولد نفسها بخطاب صادر (نحتفظ بصورة منه) من مديرة المشروع بتاريخ 8 يونيو 2014 إلى السيد مدير الهيئة العامة للآثار والمتاحف بما يفيد ذلك التصديق ويُقرأ: "كما نرجو أن نفيدكم بأن معتمدية القولد قد صدقت لنا مشكورة باستراحة المفتش العام وبيت المأمور ليتم ترميمها كاستراحة بمدينة الخندق". كما تشير مكاتبات بين السيد المدير العام للهيئة العامة للآثار والمتاحف الى السيد وزير الثقافة والإعلام بالولاية الشمالية بتاريخ 26 اغسطس 2014 (نحتفظ بصورة منه أيضاً) إلى عدة مباني تاريخية وحكومية بمدينة الخندق تندرج تحت مظلة قانون حماية الآثار 1999 بحسب مكانتها القديمة ضمن منظومة المدن الاسلامية العتيقة بالسودان وهي مباني استراحة المفتش، بيت المأمور، بيت الوكيل، مبنى التليغرافجي، بيت ضباط السوق، وبالتأكيد على "المحافظة الدائمة على هذه المباني وعدم التصرف فيها حفاظاً على اهميتها الأثرية والتاريخية".
إن هذا الخطاب الاخير تأكيد واضح بخصوص البيوت الحكومية وعدم التصرف فيها. كما ليس من حق المعتمدية التصرف ببيع أي بيت حكومي حسب القانون باعتباره تابعاً في الأصل لوزارة المالية. وقد ابلغتني السيدة رئيسة المشروع أن مدير الأراضي أكد لها عدم نيتهم التصرف في أي مبنى أو موقع أثري أو تاريخي وأنه بصدد ابلاغ المعتمد بذلك.  
كلمة أخيرة:
هذه دعوة عامة لجميع من يهمه أمر التراث الثقافي السوداني،  وللسيد والى الولاية الشمالية، وللحكومة المركزية والهيئة العامة للآثار والمتاحف، ولأساتذة وطلاب الآثار ولأبناء السودان في الداخل والخارج للوقوف بحزم أمام هذا التعدي على ممتلكاتنا الثقافية وبيعها بأثمان بخسة، وللتضامن مع مديرة المشروع وأعضاء فريقها الذين وقفوا وقفة مشرفة أمام البيت التاريخي معترضين على بيعه.
لقد تعرض التراث الثقافي التاريخي السوداني للتدمير والاندثار بفعل عوامل كثيرة، بشرية وطبيعية، بدأت بسرقة اهراماته من قبل الإيطالي فرليني في منتصف القرن التاسع عشر وتنتهي الآن بأيدي من يفترض انهم حماتها بالبيع جهاراً نهاراً. اليس واضحاً للجميع أن معتمدية القولد قد ضربت بكل المعاهدات والاتفاقيات والقوانين المحلية والعالمية عرض الحائط، أليست هي المعنية بحمايته بدلاً من تدميره وبيعه، اليس من واجبها حمايته لتتحقق مقولة (من صان تاريخ قوم فقد صان عرضهم).... الأمر متروك لكم لتقرروا إن كان معتمدها جدير بصون التاريخ وصون أعراضنا جميعاً..

ولله الأمر من قبل ومن بعد